المعنى السياسي لنجاح أولمبياد لندن
من الإنجازات التي اختارها ميت رومني، مرشح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة القادمة، لتعزيز سيرته الذاتية، الإنجاز الخاص بإشرافه على إدارة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي أقيمت في مدينة سالت ليك التابعة لولاية "اوتاه" عام 2002.
وبكافة المقاييس، يمكن القول إن رومني قد أبلى بلاءً حسناً في إدارة تلك الدورة وأن إدارته تلك هي التي أنقذت الدورة من كارثة مالية وسياسية محتملة.
وعلى ضوء ذلك كان مثيراً للاستغراب أن رومني خلال جولته الخارجية الأخيرة التي زار فيها المملكة المتحدة، وبولندا، وإسرائيل، أدلى بتلميحات تفيد أنه يشعر بقلق شديد جراء الترتيبات والاستعدادات التي اتخذتها بريطانيا لاستقبال دورة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 2012، والتي جرت في لندن اعتباراً من السابع والعشرين من يوليو وانتهت يوم الأحد الماضي الموافق 12 أغسطس.
التصريح الذي أدلى به رومني في هذا الشأن كان كالآتي: "كما تعرفون فإنه من الصعب التنبؤ بالطريقة التي يمكن أن تنتهي إليها هذه الدورة. فهناك عدة أشياء تبعث على الانزعاج والقلق حقاً في هذا الشأن. هناك روايات عن أن الشركة المنوط بها حفظ الأمن في الدورة لا تمتلك العدد الكافي من الأفراد المطلوبين، وهناك أيضاً الإضراب المقترح لموظفي الهجرة والجمارك، وكلها أشياء لا يمكن القول بأنها مشجعة بحال". هذه التصريحات سرعان ما أصبحت مادةً مغريةً للصحافة البريطانية، الأمر الذي دفع حتى رئيس الوزراء ديفيد كاميرون للإدلاء بتصريحات احتوت على تعليقات لاذعة للغاية مثل: "يجب العلم بأننا نعقد دورة أولمبية في واحدة من أكثر مدن العالم نشاطاً وحيويةً وحركةً... أما إذا كان الأمر يتعلق بتنظيم دورة أولمبية في مدينة تقع في وسط المجهول، فإن الأمر يغدو حينئذ أكثر سهولة".
دورة لندن الأولمبية لعام 2012، وهي الدورة الثلاثون في تاريخ عقد الدورات الأولمبية في العصر الحديث، انتهت الآن بعد أن حققت نجاحاً باهراً. فبعد عقبات صغيرة وطقس رديء في البداية، مضت الدورة التي استغرقت أسبوعين على ما يرام، مجتازةً بنجاح كافة الاختبارات.
وكانت الدورة مثيرة للغاية، وممتعة حقاً، وشهدت بعض الإنجازات الرياضية الاستثنائية الدالة على البراعة الفائقة. والأكثر أهمية من ذلك بكثير أنها كانت خالية من المشكلات، فلم تواجه لندن مثلا مشكلة مرور كبيرة، ولا أحداث عنف -ناهيك عن الإرهاب- كما شهدت عدداً محدوداً للغاية من حالات تعاطي المنشطات من قبل الرياضيين.
فضلا عن ذلك، ومن منظور الدولة المضيفة (بريطانيا)، كانت هذه هي الدورة التي حقق فيها البريطانيون أكبر عدد من الميداليات منذ دورة عام 1908، حيث حصل رياضيوهم على 29 ميدالية ذهبية مما جعلهم يحتلون المرتبة الثالثة في الدورة بعد الولايات المتحدة والصين. صحيح أن بريطانيا قد تمتعت بميزة اللعب على أرضها، لكن يجب علينا أيضاً الاعتراف بأن النجاح يرجع إلى أنها أنفقت أموالا طائلةً جاءت في المقام الأول من مساهمات المراهنات الوطنية، لتوفير منشآت التدريب اللازمة لإعداد الرياضيين البريطانيين الشبان التي يقول الخبراء إنها كانت ممتازة ولا نظير لها، وهو ما انعكس في النتائج الباهرة التي حققتها في مسابقات التجديف، والدراجات الهوائية، واليخوت الشراعية، والملاكمة وعدد من مسابقات المضمار والميدان (ألعاب القوى).
والسؤال الآن بعد أن انتهت الدورة هو: من الذي يستحق الثناء على نجاحها، وما الذي سيعنيه ذلك من الناحية السياسية؟ لا شك أن بوريس جونسون عمدة لندن النشط، كان من بين الرجال الذي يمكن أن ينسب نجاح الدورة إليهم. ويمكن القول إن جونسون بأسلوبه الودود المنفتح على الآخرين وجرأته المتجاوزة للحدود أحياناً، قد عزز من حظوظه في احتمال أن يصبح يوماً رئيس وزراء عن المحافظين. أما السؤال المتعلق بما إذا كان سيتحدى كاميرون على الترشح للمنصب، ومتى يتم ذلك بالضبط، فيبقى سؤالا يتعين علينا الانتظار لمعرفة إجابته. لكن ليس هناك أدنى شك في أن نجم عمدة لندن في "صعود مستمر".
يحدث هذا في وقت تدب الخلافات فيه بين شريكي الائتلاف، ديفيد كاميرون ونيكولاس كليج، حول عدد من القضايا، كما يحدث وقت يستمر فيه الاقتصاد البريطاني في معاناته من وضعية ضعيفة للغاية.
وعلى الرغم من أن بريطانيا ليست من الدول الأعضاء في منطقة اليورو، فإن روابطها مع الدول التي تتكون منها تلك المنطقة وثيقة لدرجة أن أي انكماش إضافي في اقتصاد تلك الدول سوف يكون له تأثير ملموس عليها.
يحث هذا أيضاً في وقت تقوم فيه بريطانيا والدول الأوروبية الرئيسية بخفض ميزانياتها بما في ذلك الدفاعية إلى الدرجة التي يسوغ معها القول إنها بمثل هذا الخفض لن تتمكن من المساهمة في أي عمليات عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة الأميركية، رغم أن تلك العمليات كانت من ضمن العلامات المميزة للسياسة الاستراتيجية البريطانية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الوقت الراهن.
ويشار في هذا السياق إلى أن المحافظين في بريطانيا وعلى النقيض من نظرائهم المحافظين في الولايات المتحدة ليسوا ملتزمين بتخصيص نسبة معينة من ناتج بلادهم القومي الإجمالي للدفاع، بل عملوا على إجراء تخفيضات رئيسية وإعادة تنظيم كبرى في بنية مؤسستهم العسكرية.
وهذا يضعنا وجهاً لوجه أمام مسألة العلاقات الخاصة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. فرغم أن الحالة المزاجية في لندن قد تعززت كثيراً بعد النجاح الذي حققته الدورة الأولمبية، فالحقيقة هي أن مدة الدورة التي استغرقت أسبوعين كانت عبارة عن نوع من الإلهاء الممتع للغاية عن الحقائق القاسية التي تواجه بريطانيا كما تواجه بقية الأوروبيين، وهي حقائق لها مضامين عميقة بالنسبة للولايات المتحدة وبقية العالم في آن معاً.